آخر أسرار القمر
الأميركيون والروس والصينيون واليابانيون والأوروبيون في سباق نحو القمر. لماذا؟ ألم توفر رحلات أبولو الست إلى القمر بين عامي 1969 و 1972 قدراً كافياً من المعلومات حوله؟. الإجابة هي لا، حسب برنار فوان. المدير العلمي للمسبار «سمارت 1» الذي أطلقه الأوروبيون نحو القمر في أيلول 2003:
بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على رحلات أبولو، لاتزال معارفنا حول القمر ناقصة إلى حد كبير. في الواقع جرى استكشاف القمر بصورة معكوسة: أنفقت مليارات الدولارات لإرسال رواد إليه قبل أن يتم التعرف عليه بشكله الإجمالي، ولابد من الإشارة إلى أن رحلات أبولو تمت في سياق الحرب الباردة وليس من باب الأولوية العلمية قط. وبعد نحو عشرين سنة من توقف النشاط حول القمر، كشفت البعثتان الأميركيتان «لونار بروسبكتور» وكليمنتين»، خلال تسعينيات القرن الماضي، عن أن القمر لايزال يحتفظ لنا بمزيد من المفاجآت، مثلاً، ربما كان الهيدروجين الذي كشفته البعثة الثانية في فوهات القطبين ينطوي على إشارة على وجود ماء متجمد، كما أن الباحثين لا يعرفون لماذا هنالك هذا القدر من الاختلاف بين وجهيه الخبيء والمرئي ولماذا قشرة الوجه الخبيء أكثر ثخانة. ولابد أن تعطينا الأجهزة العلمية البارعة في المسبار «سمارت1» الإجابة جزئياً عن مثل هذه التساؤلات، لاسيما أنها قادرة على تمييز تفاصيل أدق بالمقارنة مع أدوات مسابير البعثتين الأميركيتين. بالمقابل، التحليلات التي تنجزها مسابير مثل «سمارت 1» عن بعد لاتشكل بديلاً عن ثراء الدراسات الممكنة انطلاقاً من عينات صخور مجلوبة من القمر. وكان رواد الفضاء الأميركيون الاثنا عشر الذين هبطوا على القمر قد أحضروا معهم 382 كغ من الصخور والأتربة. وأتاحت دراسة هذه الحجارة مثلاً تأريخ عمر القمر بشكل دقيق، 55،4 مليار سنة، والنظرية الأكثر رواجاً حول تشكل القمر هي أنه نتيجة اصطدام بين الأرض وكوكب آخر بحجم المريخ. وهذا النموذج هو الأفضل شرحاً للتركيب الكيميائي للقمر، الشبيه جداً بوشاح الأرض. ويمكن للحواسيب القوية، على أساس هذا السيناريو، أن تنسخ عملية تشكل القمر بزمن سريع جداً، بسحبه على بضعة ملايين من السنوات. أما في التفاصيل، فيبقى هنالك العديد من الثغرات يحتاج حلها إلى معلومات إضافية.
ربما يأتي جزء من الأجوبة من خلال دراسة حوض Aitken ، قرب القطب الجنوبي، في الوجه الخبيء، الذي لم تحط فيه أية مسابير أو مركبات أميركية أو سوفييتية بهدف إحضار عينات، وهذا الحوض هو فوهة عملاقة قطرها 2500 كم بعمق 15كم أحدثها على الأرجح اصطدام مع كويكب منذ 9،3 مليار سنة. وهذا الموقع هام للغاية، لأن الاصطدام الذي شكله كان رهيباً ويبدو أنه قد أخرج إلى السطح مواد آتية من مواقع عميقة، من الوشاح. من جانب آخر، يمكن أن يبدو التأريخ الدقيق لهذا الاصطدام ثميناً، إذ من شأنه إثبات صحة النظرية التي تفيد بأن المجموعة الشمسية قد تعرضت لقصف نيازك شديد لم ينته إلا منذ 85،3 مليار سنة. وعلى الأرض ما كان يمكن للحياة الظهور إلا بعد هذه الفترة. ولكن، بما أن سطح كوكبنا متغير التنمذج باستمرار بتأثير تكتونية الصفائح، فإنه لم يبق أثر لعمليات القصف هذه عليه. وبنتيجة سطحه الميت، الخالي من أي تبركن ، فقد احتفظ سطح القمر بكل الأحداث الماضية ومن هنا أهميته كشاهد على تاريخ المجموعة الشمسية.